هل سبق واشتريت كتابًا من أحد إعلانات الفيسبوك؟ أنا فعلت!
لفترة طويلة بعد صدوره، لاحظت وجود إعلان يُعرض -بانتظام- في ملخص فيسبوك عن عرض أنطونيو جارسيا مارتينيز عن وادي السيليكون بعنوان “قرود الفوضى: الثروة الفاحشة والفشل العشوائي في وادي السيليكون“.
أعترف:لم اشتري الكتاب مباشرة من الإعلان، لكنه بقي اسمه في لاوعيي (باعتباره كتاب أود قراءته). عندما ظهر في صفقات كندل اليومية بعد بضعة أسابيع، بدت إشارة، ولست نادمًا على الاستجابة لها.
ربما تتساءل لماذا أتحدث عن سبب شرائي لهذا الكتاب!
لأنه ذو صلة بمراجعتي؛ عمل (مارتينيز) في قسم الإعلانات لدى فيسبوك.
أعشق القراءة، وتفيض “قائمتي للقراءة” بالكتب المتزايدة باستمرار. من البديهي أن منصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وغودريدز -والتقنيات الرقمية مثل محرك التوصيات من آمازون- قد ربطتني كمستهلك للكتب بالكتب التي أحب قراءتها. ومع ذلك، إذا كان ربط المستهلكين بمزيد من المنتجات التي يريدونها هو الخطوة الأولى في إحداث ثورة في الصناعة (مثل أمازون في أواخر التسعينيات إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين)، فإن الخطوة التالية هي ربط الأشخاص بالمجتمعات التي يريدون أن يكونوا جزءًا منها (فكر في فيسبوك من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى وقتنا الحالي).
عقلية التسعينات
مما يمكنني قوله، لا يزال مجال بيع الكتب/النشر حبيس أواخر التسعينيات؛ حيث الكتب عبارة عن “سلع” يجب بيعها “بشكل جماعي” إلى سوق مستهدفة بوساطة الناشرين. وبناءً عليه، فالعلاقة بين (القارئ – المؤلف – الكتاب) علاقة تجارية ضحلة إلى حد ما.
أعتقد أن هذه الصناعة تتحرك ببطء (بالأحرى: على مضض!) لمكان تغدو الكتب فيه بمثابة بوابة لبناء المجتمع. ومع تبنيّ هذا التوجّه، ستتحول العلاقة لعلاقة سياسية. وبذا يغدو الأدباء الذين يقررون استخدام كتبهم لبناء المجتمعات مؤثرين بشكل مدهش.
البعض أصبح مؤثرًا بالفعل!
وربما لاحظنا مستويات متفاوتة من النجاح بأنفسنا: من (جي. كي. رولينج J.K. Rowling)، وأحمد مراد، ووصولًا لروّاد التنمية البشرية من جميع المشارب؛ مؤلفون يبنون مجتمعات من جماهيرهم التي تقرأ الكتب.
أجد أيضًا أن الأكاديميين الذين يترجمون عملهم الأكاديمي إلى كتب واقعية “شعبية” وناجحة يميلون إلى بناء مجتمعات متخصصة جيدة حول كتبهم. قرأت مؤخرًا كتاب “Venomous: How the Earth’s Deadliest Creatures Mastered Biochemistry” بقلم كريستين ويلكوكس، وهي -على الأقل- تحاول استخدام كتابها لبناء مجتمع يمكّنها من التفاعل مع قرائها.
متأكد من وجود آخرين، ولكن لمعظمهم، لم يصل عالم الكتب إلى القرن الحادي والعشرين!
قد تكون طبيعة صناعة النشر مسؤولة -إلى حد ما- عن هذا الوضع
ففي نهاية المطاف، إذا اتحد المؤلفون مع القراء، فستزداد جاذبية (النشر الذاتي Self-publishing) لحدّ كبير. ليس من المستغرب أن أشهر قصص نجاح النشر الذاتي كانت لمؤلفين تمكنوا من بناء مجتمع حول أعمالهم (آندي وير مثلًا).
بالعودة لكتاب قرود الفوضى
عندما بدأت إعلانات الكتاب تظهر (بفضل الخوارزمية إياها)، ولاحظت منصب المؤلف السابق؛ مدير المنتج “Product Manager” في فريق إعلانات فيسبوك، شعرت بالإثارة لفكرة أنني ربما صادفت كاتبًا يستخدم درايته الداخلية ليشق طريقه إلى مهنة تتمحور حول المجتمع في القرن الحادي والعشرين -بصفته مؤلفًا- ويمهد الطريق للآخرين.
نكره البشر!
اتضح أن سبب العجز الآخر عن الانتقال لما بعد العلاقة التجارية المطهرة: ميل الكتّاب لكراهية البشر ومعاداة للمجتمع؛ ما يفسر سبب قضائهم معظم الوقت داخل رؤوسهم ومنعزلين أمام محررات النصوص!
يتمتع (أنطونيو جارسيا مارتينيز) بحضور على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو لا يخجل من سرد مآثره واسعة الانتشار، ولكن في النهاية، أعتقد أن إعلاناته التي تستهدفني كان غرضها الوحيد هو بيع كتابه.
أعلم! يبدو الأمر بديهيًا بعد فوات الأوان، لكنني كنت آمل حقًا أن يكون هناك المزيد. ما زلت أرغب في معرفة كيف هيئ إعلاناته على فيسبوك لبيع كتابه ولماذا اختار الإستراتيجية التي اتبعها (لأنها لم تحقق نجاحًا معي على الأقل).
معظم الناس لا يقرأون مراجعات الكتب لأنهم يريدون رأي شخص ما حول حالة صناعة نشر الكتب، ولكن في حالتي، علّمتني هذه الأفكار والأسئلة سبب قراءتي -في المقام الأول- ولون تجربتي مع الكتاب. على الرغم من السياق المخيب للآمال إلى حد ما، كان هذا كتابًا ممتعًا من حيث موضوعيته.
جارسيا مارتينيز هو متداول كمي في وول ستريت، تحول إلى مؤسس شركة ناشئة ممولة من مسرعة الاعمال واي كومبناتور Y-Combinator، وبعدها أصبح موظفًا في فيسبوك، فـموظف “سابق”، وأخيرًا: مؤلفًا لهذا الكتاب؛ والذي يبدو أنه مكتوب -مدفوعًا بالضغينة في المقام الأول- لتشويه صورة فيسبوك!
شخصية غير محبوبة في قصته
هكذا ظهر (مارتينيز)، ومع ذلك يبقيك الكتاب مستغرقًا لأنه حتى لو كان غير محبوب، فهو الشخص الذي يجب أن تكون عليه لتنجح في وادي السليكون. وادي السيليكون يصنع أشخاصًا مثله، والأشخاص مثله يصنعون وادي السيليكون.
من الرائع مشاهدة هذا العالم من التطفل المتبادل وهو يتكشف وربما يكون انعكاسًا حقيقيًا لكيفية سير الأمور في وادي السيلكون، لكن لا يمكنني القول من خلال تجربتي الخاصة.
ومع ذلك، إذا كانت رواية جارسيا مارتينيز “صحيحة”، فهي صحيحة فقط بالمعنى المحدود الذي لا يمكن أن يكون عليه الحال إلا مع القصة التي تحصل فيها على جانب واحد فقط. أولئك الذين اعتادوا على الاعتقاد بأن الحقيقة هي شيء موجود في مساحة غامضة بين وجهات نظر متعددة سوف يقرأون (قرود الفوضى) مع التفكير المستمر بأنهم يريدون سماع جانب شخص آخر من القصة.
هذه قصة رائعة تفضحها أجندة الكاتب الشخصية. لكنه يعوض “هذا النقص” بأسلوب كتابة يتناسب مع شخصيته المضطربة. إذا كان الهدف من كتابه جعل مجتمعنا يفكر مرتين في تقديسه للمُشتتين (وهي نقطة واضحة جدًا في الكتاب بمجرد قراءتك له)، فقد نجح الكتاب في غايته. سيجعلك الكتاب تفكر بشكل مختلف في النخب التي تحكم التقنيات بالغة الأهمية التي تستعمر العديد من جوانب حياتنا لأنه يُظهر القابلية للخطأ والدوافع الفظة التي يبدو أنها تقود هذا الاستعمار على العديد من المستويات. هذا لا يرسم صورة متفائلة جدًا لمشهد ربما كان المصدر الوحيد الموثوق به للتفاؤل في الخيال الثقافي الشعبي.
أثناء قراءتي لكتاب قرود الفوضى، صادفت مقالًا في مجلة نيويوركر حول كيفية استعداد الأثرياء ليوم القيامة. وقد ورد ذكر (غارسيا مارتينيز) ضمن فقرة كاملة:
أراد غارسيا مارتينيز، مؤلف كتاب “قرود الفوضى”؛ مذكرات لاذعة في وادي السليكون، ملاذًا بعيدًا عن المدن (ولكن ليس معزولاً تماماً). ويبرر: “يعتقد كل هؤلاء أن بمقدور أحدهم الصمود -بطريقة ما- أمام الغوغاء المتجولين“. “لا، ستحتاج إلى تشكيل ميليشيا محلية. بل أشياء جمّة لتتمكن من النجاة من انهيار العالم!”
وقال إنه بمجرد أن بدأ بإخبار أقرانه في منطقة الخليج عن “مشروع الجزيرة الصغيرة” الخاص به، خرجوا من “أوكارهم” لبدء استعداداتهم الخاصة.
نعم، كتاب قرود الفوضى -في الأساس- رواية “رثائية” كتبها رجل يخطط بنشاط للهروب من آثار الانهيار الاجتماعي الكامل.
الشخصية المحتالة!
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الرثاء حول مجتمع يفتقر إلى “أسطورة تأسيسية سليمة” تهدد البعض “بالانحدار إلى الفوضى”، فإن إحدى الشخصيات النموذجية الأشيع عبر الأساطير بين جميع الثقافات وعبر الزمن هي الشخصية المحتالة.
المحتال هو المعطِّل بلا حدود؛ عميل الفوضى. غالبًا ما تكون الشخصية حيوانًا مثل الثعلب أو الذئب أو القرد. ليس من غير المألوف أن تكون تصرفات المحتال حافزًا لتوليد نظام جديد من بين الأطلال الفوضوية للنظام السابق. يمكن للمرء أن يجادل حول مدى كون تصرفات المحتال إضافة صحيّة للأسطورة المؤسسة، ولكن في بعض الأحيان لا يكون الانزلاق إلى الفوضى هو النتيجة النهائية لثقافة فقدت الاتصال بأساطيرها.
في بعض الأحيان يكون هذا الانزلاق إلى الفوضى هو الأسطورة المؤسسة، والتي ربما تكون أمراً صحياً يجب أن يأخذه أولئك الذين يحاولون فهم عالم يتميز بقبائل صاعدة من قرود الفوضى في وادي السليكون!
[…] غارسيا مارتينيز Antonio García Martinez) مؤلف كتاب “قرود الفوضى 👹”، إلى (غاري تان Garry Tan)، مدير مسرّعة الأعمال Y […]